السلفية..المظهر العام..
تنبيه:
سيكون الكثير من التعبيرات والأسماء المجازية التي سأطلقها في هذا المقال..فلا تلتفت كثيرا للألفاظ بقدر ما تتعامل مع المعنى..
للفكر الإسلامي الحديث قاعدتين قد انطلق منهما..هما مصر..والدولة السعودية الثالثة..
مصر قد انطلق منها الفكر الإخواني "بفروعه" وبطابعه الأزهري، والسعودية انطلق منها الفكر السلفي بفروعه وبطابعه النجدي.."لماذا لهذا الفكر طابع أزهري ولماذا لذاك طابع نجدي فإن الأمر واضح من تاريخ كلا من الحركتين ورموزهما"
وإذا كان اسم جماعة الإخوان المسلمين هو أحد الأسماء المثيرة للجدل فإن إسم السلفية أيضا يشترك معها في هذه الخاصية الجدلية..
إذ يعتبره باقي من لا ينتمون للتيار السلفي هو محاولة لاحتكار الانتساب إلى سلف الأمة الصالح واحتكار الانتساب إلى عقيدة أهل السنة والجماعة..
ومهما يكن في هذه الرؤية من خطأ أو صواب، وإذا كنا دائما ما نقول أنه لا مشاحة في الاصطلاح..فأنا أعني بالسلفية: "تلك الفئة الفكرية التي تنتسب إلى دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، وغالبا أهم علمائها الشيخ ابن باز وابن عثيمين"
ولها خصائص عامة مظهرية وفكرية..
ففي المظهر يعرفون دائما بالحرص الشديد على التزام العديد من السنن الظاهرية والرفع من قدرها إلى حد القول بوجوبها على المسلم..
وهي ترجع إلى آراء فقهية عامة يتبناها السلفية بكافة باختلاف فرقهم أو شيوخهم..وبهذا يعرف السلفية بعضهم البعض من خلال المظهر وحده من لحية وقصر الثوب وخلاف ذلك من أمور يعامل صاحبها على أنه غالبا ما يكون سلفيا..
إلا أن هذا –بالطبع- ليس كل شيء..أو ليس هو الخصائص الفكرية التي يحملها السلفية بشكل عام (كما يظن كثير من الناس)..
فالسلفية يتفقون عموما في الفكر على أمور أخرى مثل: تبني مذهب الإمام ابن تيمية في الأسماء والصفات، وتحريم التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد موته والتشديد في النكير على القائل بذلك..ويتفقون بشكل عام على أن عماد آرائهم دائما هي من أهل الحديث أساسا، وهم بعيدين في الغالب عن أهل الفقه (للمزيد عن ذلك راجع كتاب الشيخ محمد الغزالي: السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث)..
فهم يتبعون نصوص الأحاديث بشكل عام ويقومون بإسقاطها على الحال الراهن رافضين التأويلات أو الاجتهادات الفقهية التي يقوم بها شيوخ الفقه، وهم يرون أن إعمال العقل في المسائل الشرعية لا يصح إلا في أضيق الحدود (أقرب للحنابلة في هذا).
هذا ما أظن السلفية يتفقون عليه بشكل عام..ثم بعد ذلك قد يختلفون في أي شيء..
فهم قد يختلفون في اعتبار الأشاعرة من أهل السنة، ويختلفون في تكفير الشيعة مطلقا أو وجوب إقامة الحجة على أي منهم قبل القطع بكفره، ويختلفون أيضا في موقفهم من التصوف وأهله، ويختلفون في اعتبار الإخوان فرقة من فرق المسلمين أو جماعة من أهل السنة، ويختلفون في كثير مما سوى ذلك من أمور..
ولهذا سيكون الحديث عن التيار السلفي هو أشبه بالدخول في حقول الألغام..فلا يمكن التعميم على التيار السلفي بالاعتقاد في أمر ما أو رأي ما أو حتى سلوك معين إذ تختلف آراؤهم باختلاف شيوخهم بشكل عام في أغلب المسائل..
لهذا السبب –ولأجل الإنصاف- فسأسعى دائما للقول بأن فلانا يرى كذا، وأن فلانا يقول بكذا (دون التعميم على السلفية) طالما نتناول موضوع السلفية على هذه المدونة..
وبشكل عام، وعلى اعتبار أن قاعدة الفكر السلفي في العالم هي السعودية، فإننا نجد لشيوخ العربية السعودية بريق خاص لدى التيار السلفي في كل مكان خارج السعودية بما فيها مصر –لا سيما المبتدئين منهم- فلك أن تجد المطويات المطبوعة في جدة والرياض، ولك أن تجد الكتب المطبوعة في العربية السعودية وقد جرى العرف العام على اعتبار كل شيوخ السعودية هم علماء وهابيون يتبعون المنهج السلفي الأصيل، بحيث يؤخذ عنهم غالبا دون خوف، وربما دون تدقيق في كثير من الأحيان، وربما يكون في هذا الأمر جزء لا بأس به من الحقيقة إذ أن العباءة السلفية تغطي الجميع في السعودية بشكل أو آخر بحيث لا يسع أحد الخروج بشكل واضح صريح على المنهج السلفي، خاصة في الأمور المظهرية منه، وأيضا في طبيعة العلاقة الظاهرة بالنظام السعودي، وغير ذلك من القضايا العامة التي اجتمع عليها السلفية، إلا أن هذا لا يمنع من وجود تيارات مختلفة ومتناقضة أحيانا داخل السعودية نفسها في مواقفها من عدة أمور، بما فيها طبيعة العلاقة الحقيقية بالنظام، وبما فيها موقفهم من العديد من الاجتهادات والأفكار المختلفة..
وبهذا تكون نتيجة هذه الحالة أن نجد السلفية خارج السعودية يختلفون اختلافا كبيرا عن السلفية داخل العربية السعودية..أو لنكون أدق، فإن السلفية في مصر يختلفون اختلافا كبيرا عن السلفية في السعودية بسبب اختلاف الظروف واختلاف الفكر..
ولأن السلفية في مصر هم يأخذون "بشكل عام" عن كل علماء السعوية على اختلافهم الشديد، فقد تجد سلفيو مصر –على سبيل المثال- يأخذون عن سفر الحوالي والعودة وربيع المدخلي وابن عثيمين..بالرغم من الفروق الشاسعة بين ثلاثتهم المعروفة في المملكة العربية السعودية وانتمائهم لتيارات مختلفة..إلا أن هذا لا يمنع من أنه (وبشكل فردي) قد يميل أحدهم إلى هذا أو ذاك أكثر فيصبح أقرب بفكره لأحد هذه التيارات..
وبسبب المد السلفي في مصر مؤخرا صار من اللازم بحال دراسة الفكر من مصدره وأصوله الذي يعد هو أصداء لها..
وهذا ما سنحاول فعله في الفترة القادمة بإذن الله..